حكايات الحرب
جنــــون آبــــــــو – من كتاب حكايات الصحراء بين الماضي و الحاضر
كان فيه مرة شاب صغير إسمه آبــو مهووس بعالم الجنون (الجن) ، و كل همه إن يتعلم السحر. كل الناس قعدوا ينصحوه، إبعد عن السكة دي، مش هينوبك غير الأذية. مافيش فايدة. كان حلمه يهيمن ع الجن و يسخرهم. يجيب كتب و يقراها، و يقابل ناس و يسمعهم. عايز فعلا يتعلم.
و لما آبو عرف و اتعلم كام حاجة خفيفة كده ع الماشى، قال أما أجرب، و أشوف هتمشي معايا و إلا إيه. و انتظر أول فرصة جت له. كان راح هو و واحد زميله برضه من أهل سيوة و اشتغلوا فى ليبيا. جه سكنهم جنب جماعة صعايدة. و الصعايدة بطبعهم، صوتهم عالى. و كانوا عاملين بدوشتهم إزعاج فظيع لآبــو. و فى يوم اتنرفزمنهم و قال لزميله: الناس دي أنا لازم أكرشهم (أطردهم) من هنا. زميله يقول له: يا عم معلش، دول غلابة و جايين ياكلوا عيش زينا زيهم. آبــو قال له: هاكرشهم يعني هاكرشهم. و تانى يوم راح كلم واحد عشان يجيب له شوية حاجات غريبة. قال إيه: تراب نمل ما بيسمعش آذان و عين عفريت ، و ديل قطة عمشة، و ريشة من جناح هدهد يتيم. الخ الخ). و سهر بحاجاته بالليل بكل همة و نشاط.
تانى يوم ما رضيش يروح شغله، و فضل مستني فى البيت. و قبل ميعاد رجوع الجماعة الصعايدة من شغلهم، قام رش التراب بالخلطة إياها على عتبة بيتهم. وصلوا و دخلوا البيت و قبل ما حتى يلحقوا يقفلوا الباب وراهم، قاموا على بعض خناق و ضرب بالكواريك (عدة شغلهم) ، كده من غير أى سبب. و البوليس جه، و لمهم، اللى راح ع المستشفى ، و اللي ع القسم , والليع الجبانة.
و من اليوم ده، و آبـــو خلاص، خد ختم السحرة. و دار يجرب ده و ده، من غير ما يهمه إن كان فيه حد ممكن يتأذى من عمايله. المهم إنه اتصل بعالم الجنون، و بقى له سلطة عليهم. ده حتى فى مرة، قال أما أعمل طاقية الاخفا. بس استعجل عليها شوية. و بعد ما لبسها ، كله اختفى ما عدا رجليه. و قام يجربها و هو فطسان على روحه م الضحك، راح عدى على خص، فيه جماعة سهرانين. واحد منهم لقى رجلين ماشية لوحدها، اتشل ، و ما وقفش تانى على رجليه. و آبــــــــو ييضحك. كان واخدها لعبة.
راحت الأيام و جت الأيام، و اتغير حال آبـــو. هتسألوا إتغير إزاى؟ يعنى مثلا، تلاقوه شايل فلق نخل ما يقدرش على حمله 5 أو 6 أنفار، و يمشى بيه مشواير مشواير ، و بعدين ينزله من على كتافه ، و يولع فيه النار. و بعدين يرجع شايل مية عشان يطفى النار اللى ولعها. و يفضل طول الليل يعيد و يزيد فى الشيل و الحط و يولع و يطفي. و يقعد بعد ما يتهد حيله يزعق كإنه بيكلم ناس حواليه: كفاية حرام عليكو بقى. ولع ، طفي. حرام، أنا تعبت.
و ساعات، يروح يملا حمولة مية من عين فى المنشية (بعيد قوى) و يرجع السكة الطويلة دى عشان يفضى الحمولة فى عين قديمة اسمها طناويس. و يفضل رايح جاى يملى من عين المنشية و يصب فى عين طناويس . و اللي يسأله: بتعمل فى نفسك كده ليه؟ يقول: حسب الأوامر. و بمرور السنين شكله بقى مبهدل و بؤس ع الآخر، و هدومه مقطعة و حالته كرب. مرة صعب على أخوه، فراح اشترى له هدمتين جداد عليهم القيمة، و اداهم له. ما رضيش ياخدهم، و قال له: ممنوع علي ألبس نضيف ولا أحط ريحة. هم عايزيننى كده.
و أوقات تانية، الناس تشوفه برضه كأنه بيكلم ناس حواليه و يتخانق معاهم: كداب. هو يقتل و ييجى يقول لكم إنى أنا اللى قتلت؟ بقى كده؟! مش مصدقيني؟! خلاص، يبقى معادنا بكرة عند الشيخ.
و مرة فضل يرش مية فى الشارع. واحد سأله، بتعمل إيه يا آبـــو، يقول أصل زفة بنت الملك الليلة دي.
آدي اللي صار و آدى اللى كان، و على رأى المثل، تيجه تسخره، يسخرك. و اللي يحضر العفريت، يصرفه.
* * *
أخذت هذه القصة من كتاب حكايات الصحراء بين الماضي و الحاضر
حكاها طاهر
قصص من الحرب – منيرة الشيخ، عائشة إسماعيل، مواهب بشير سليمان.
هذه هي القصص الحقيقية لثلاث نساء ذقن ويلات الحرب وشاركن في الورشة، وهن: منيرة الشيخ، عائشة إسماعيل، مواهب بشير سليمان.
لقد قمن الثلاثة بكتابة قصصهن بأنفسهن، وافقن على صياغتها للنشر في هذا الكتاب. وقد ساعدت هذه العملية على تطوير تعبيرهم عن تجاربهم في الشكل الكتابي. كانت غالبية النساء في الورشة على درجة عالية من التعليم، وكن قادرات على التعبير عن أنفسهم باللغة العربية الفصحى، بل وبطريقة أدبية. كان شيئا مذهلا.
كانت نية الكتابة والنشر تعني لديهن مفهوما واضحا للمسؤولية الاجتماعية تجاه كل النساء السودانيات. كانت كل المشاركات في الورشة منخرطات بإخلاص في تنمية مجتمعاتهن الصغيرة بشكل عام، وفي تحسين أوضاع النساء بشكل خاص. كان لديهن أيمان بالحياة لا يمكن قهره. كان لديهن أمل لا يمكن لشيء أن يقتله.
من اجل هذا الأمل في مستقبل أفضل ، ننشر هذه القصص الحقيقية.
إن قصصنا هي شهادتنا الوحيدة، هي جزء منا . هي وجعنا وهي حريتنا. سوف تظل قصصنا ملكنا دوما لكنها بهذا الكتاب سوف تنتمي أيضا لكل من يقرأها.
منيرة
حدثت قصتي في12 يناير عام 1997 . في الكرمك، عندما اندلعت الحرب مرة أخرى بين الحركة الشعبية ( الجيش الشعبي لتحرير السودان) وجيش الحكومة. كنت أعمل معلمة في إحدى مدارس الكرمك. مدرسة خديجة بنت خويلد للتعليم الأساسي للفتيات.
في صباح يوم الحادث، وصلتنا أخبار عن قرب دخول الجيش الشعبي مدينة الكرمك. وفجأة سمعت انفجارا ، جريت إلى خارج المدرسة مباشرة لم أكن أفكر إلا في كيفية حماية التلميذات، البنات الصغيرات لم يكن يفهمن شيئا مما يجري، لكنهن كن ممتلئات بالخوف. كانت مسؤوليتي أن أساعدهن مع إنني لم أكن أعرف كيف أساعد نفسي. كان الموقف كله غريبا للغاية. حدث كل شيء بسرعة لدرجة أن بعض التفاصيل قد تسربت مني. قررت الهرب مع تلميذاتي وناس آخرين كثيرين. كنا نجري هربا في مجموعة كبيرة، كان نوعا من الهروب الجماعي، والفزع الجماعي، لم تكن لدينا أدنى فكرة عما يحدث لأسرنا وأصدقائنا، مما جعلنا نستاء أكثر.لم يكن بيدنا سوى أن نهرب ونظل نهرب حتى يختفي الخطر من ورائنا. وصلنا إلى منطقة البركة، بجوار الكرمك. وهناك سقطنا في أسر الجيش الشعبي. ومكثنا في الأسر. كان ذلك قدرنا، فبالرغم من أننا ظننا أننا نهرب من الخطر، إلا أننا كنا نقترب منه أكثر و أكثر. في الساعة السابعة مساء من اليوم نفسه، وصل إلينا ضابط من الجيش السوداني بعد أن تم الاستيلاء على الكرمك. كان يريد الاطمئنان علينا، وسأل الجنود الذين أسرونا عن هويتهم، وما إذا كانوا ينتمون إلى الجبهة الشعبية أم لا، إلا أنهم لم يعطوه أية فرصة، وفي ثواني كان الرصاص ينهال عليه من كل جانب.
كنت أجلس مع زميلاتي في الأسر، وصلت عدة رصاصات إلينا، وأصابتني واحدة منهن في ساقي اليمنى. على الفور سال الدم من فخذي الأيمن، كانت العظمة قد كسرت. كنت خائفة ومتألمة وحزينة. بقيت في مكاني ثلاثة أيام دون حراك، ودون أي علاج. كنت أصرخ باستمرار، لم تلمسني يد سوى الأعشاب لوقف النزيف، بعد ذلك نقلني أحباش إلى مستشفى في الحبشة، مكثت فيه أربعة أيام، ثم نقلوني إلى مستشفى آخر في أصوصة بقيت فيه اثنين وعشرين يوما. كنت المريضة الوحيدة وسط رجال كثيرين ولم يكن معي أحد سوى صديقتي، منال التي رافقتني طوال هذه الرحلة. ظلت منال جواري طوال الوقت، كانت هي رفيقتي وملاكي الحارس، وأكبر دليل على أن القلوب الطيبة مازالت طيبة حتى في أحلك الأوقات. كانت الممرضات رفيقات للغاية معي، كن يبكين وهن يضمدن جراحي من هول الإصابة. أحسست بالرعاية والحنان منهن. مع أنهن لم يملكن أن يعطينني سوى الأقراص والحقن، ومع أني لم أكن أفهم لغتهن. لم تكن المستشفى مجهزة بتاتا، ولم تكن معدة للجراحة.
فكرت في السفر للسعودية لكن طلبي لتأشيرة رفض في ذلك الوقت. رجعت إلى السودان عن طريق نيروبي. تحسنت معنوياتي بمجرد الرجوع إلى الوطن. اجتمعت مع أسرتي وأصدقائي وشعرت كم قربتنا تلك الحادثة الموجعة من بعضنا البعض. بدأت علاجي في الخرطوم، في مستشفى القوات المسلحة وكلي أمل في الشفاء، أجريت لي عمليتان، العملية الأولى فشلت، فأجريت العملية الثانية بعد شهر لكنها لم تسفر عن أي تحسن. كان ذلك يعني كيف أن نقص العلاج والرعاية الطبية الجيدة يمكنهما أن يمدا في فظائع الحرب بدلا من أن يهوناها. لكن ذلك كان يعني لي أيضا أنني لابد أن استمر في الكفاح من أجل الأمل، ومن أجل حقي في أن أحيا حياة طبيعية.
سافرت إلى سوريا من أجل علاج أفضل. تكفلت الحكومة السودانية بمصاريف سفري وعلاجي في مستشفى سوري. وأجريت لي جراحتان هناك أيضا لكن بنجاح هذه المرة، وتم زرع دعامة معدنية في فخذي. وعدت مرة أخرى إلى السودان.
استكملت دراستي الجامعية في قسم دراسات اللغة العربية والشرعية، ولم أدع شيئا يقف في طريقي. قررت أن أستمر وألا يعوقني شيء.
في يوم 25 نوفمبر عام 2006، تم نزع الدعامة في مستشفى الخرطوم التعليمي. أنا في حالة جيدة ألان أحيا حياتي بطريقة طبيعية. أشعر أن ما حدث لي كان اختبارا من الله لإيماني وأعتقد أنني نجحت فيه، الحمد لله.
منيرة الشيخ
عائشة
بدأت قصتي في 20 يوليو عام 1993 إنها قصة مليئة بالمعاناة.
بدأت المعاناة بسفري من الدمازين إلى منطقة نائية. فقد كنت أعمل كمعلمة وقررت أن أنتقل إلى تلك القرية البعيدة لأسهم في التعليم وفي التنمية بها. وأصطحب زوجي و أولادي. كنت أعرف مدى صعوبة قراري لكن زوجي ساندني فيه، وقرر كذلك أن يدرس هو أيضا مع أنه لم يكن معلما في الأساس.
تحركت سيارة الأجرة من الدمازين، وتعطلت عدة مرات في الطريق بسبب المطر والطريق غير المعبد، في المرة الأخيرة رفض السائق الاستمرار، واضطررنا النزول من السيارة في الخلاء.وصلنا إلى وجهتنا بعد إحدى عشر يوما، فقد أقلتنا الحمير مع أمتعتنا.
كانت قرية مغدة خالية من أي نوع من أنواع الخدمات والمرافق، سواء للصحة أو التعليم . وكانت هذه هي معاناتي الثانية :كيف نظل على قيد الحياة هناك.
المعاناة الثالثة كانت مرض ابني الصغير جهاد، فلم تكن هناك أية خدمة طبية لعلاجه، فكان علي أن أحمله وأخرج به إلى منطقة أخرى بعيدة بحثا عن العلاج. لكن فجأة جاءت سيارة من الدمازين إلى منطقتنا لغرض خاص، فاستخدمتها للرجوع إلى الدمازين بابني لعلاجه. وبعد ذلك عدنا مرة أخرى إلى مغده، لكن شاءت الأقدار أن يمرض الطفل مرة أخرى، لم أستطع العثور على أي حل. ولم يكن زوجي معنا وقتها، فقد ذهب إلى الدمازين بدوره لكي يأتي بمعدات ومؤن للقرية . قررت أن آخذ ابني إلى دندرو حيث كانت هناك شفا خانه. وبالفعل اصطحبت معي أحد تلاميذي، وغادرنا إلى هناك . لكن القدر لم يمهلنا. مات ابني قبل أن نصل هناك . عدت إلى مغده وأكملنا العام الدراسي.
معاناتي التالية حدثت في يونيو 1994، فقد نفد الماء من القرية . وهرب السكان إلى منطقة جبل الطير، وانتقلت أنا وأسرتي إلى منطقة كامير.
ثم هطلت الأمطار في القرية بعد حين، وأمرنا مدير المدرسة بالعودة لاستكمال العام الدراسي. قررنا الرجوع.
في يوم 20 يوليو عام 1994،بدأنا رحلة الرجوع في الثانية مساء. وصلنا إلى منطقة مليئة بالألغام المدفونة. كان زوجي يحمل ابنتنا الصغيرة ” رفقة” ، معه على الحمار. انفجر لغم تحتهم، توفيت رفقة على الفور، لكن زوجي كانت معاناته أكبر، فقد تفجر جسده وتناثر أشلاء منه في الهواء أمام عيني، إلا أنه لم يكن قد مات. استقرت أجزاء من جسده وجلده فوق الأشجار وعلى أطراف الجبل. كان الانفجار هائلا أما جسد ابنتي ” رفقة” فقد ظل قطعة واحدة، طار إلى أعلى ونزل أرضا. كانت ميتة لكنها لم تتشوه مطلقا. بدت كأنها نائمة كانت تلك نعمة من الله .
اختار الله عز وجل الحي من الميت، فقد كنت أنا وابنتي الأخرى ” رفيدة” على الحمار الأخر الذي سبق حمار زوجي، وكان ابناي الأكبر “ضياء الحق” و” بشير” على حمار آخر، وعبرنا كلنا من نفس منطقة اللغم، لكنه انفجر فقط أسفل زوجي وابنتي. هذا هو القدر.
كان أولادي يصرخون ويبكون أمام هذا المشهد، لكني كنت متماسكة، وساعدتهم لكي يهدأوا. احتضنتهم وقلت لهم أن هذه هي مشيئة الله ولا بد أن نقبلها. نادى زوجي علي، وهو يئن، كانت الروح لم تفارقه بعد مع أنه كان مقطع الأوصال. أخذته بين ذراعي، أو ما تبقى منه، قرأت له بعض الآيات القرآنية، و الشهادتين لما فارقته الروح.
بمساعدة أناس كثيرين تجمعوا أثر سماعهم انفجار اللغم، استطعت أن أجمع أشلاء جسد زوجي. وحملناها ونقلناها إلى الدمازين، ومن هناك إلى قرية أهله حيث مسقط رأسه. ودفن هناك. أردنا له أن يدفن كالشهداء، لكن ذلك لم يصادف قبولا.
إبني الأكبر، “ضياء الحق”، في السنة النهائية بالجامعة ألان ” رفيد ” بالسنة الأولى، أما ” بشير” ففي العام الأخير بالثانوية. قي أثناء المرحلة الأخيرة من معاناتي كنت حبلى. عندما قتل زوجي وابنتي، كنت حبلى في الشهر الثالث، وبعد الحادث بستة شهور وضعت مولدتي الأخيرة ” حميده”،أصغر أطفالي. هي الآن في السنة السابعة بالتعليم الأساسى. ذكرى حية للبقاء على قيد الحياة.
عائشة اسماعيل
مواهب
أحداث سقوط مدينة الكرمك 1997م
في 12 يناير 1997 م، الموافق الثالث من رمضان 1427 ، تدافعت مجموعات من الجيش الشعبي من الحدود الأثيوبية من الاتجاه الشرقي وشمال غرب مدينة الكرمك، في أمسية التاريخ أعلاه، وهو يوم السبت، وقد حوصر المواطنون داخل المدينة حتى صباح اليوم الثاني.
كنت قد وضعت مولودي للتو إلا أنه في صباح الأحد، تم الهجوم على المدينة ، وتفرق المواطنون في كل الاتجاهات. كانت مفارقة غربية، أن آتي بطفل إلى الحياة في نفس اليوم الذي أواجه فيه كل هذا الموت والدمار. كان من الناس من أصيب ، ومنهم من أسر، ومنهم من توفى لرحمة مولاه. حاولنا الخروج أنا وأسرتي. كان الوضع صعبا، كنت مازلت ضعيفة من جراء الولادة، وكذلك الرضيع. وفي أثناء سيرنا في الطريق أصبت بعيار ناري قي قدمي اليسرى. وفي أثناء ذلك كانت القذائف النارية تتساقط من كل الجهات مما أدى إلى مفارقة زوجي لي ومعه أبناؤنا ليصل بهم إلى الأمان، وليأتي ليأخذني بعد ذلك مع المولود. لكنه لم يستطع الوصول إلى المكان لأنه تعرض لإطلاق النار من القوات المعارضة ومع ذلك فقد نجا هو والأطفال والحمد الله. وأصبحت وحدي في هذا المكان حتى المساء، لم أتحرك من مكاني توجهت إلى منازل خالية لمواطنين بمنطقة الزربية، بالقرب من المدينة. لم أتناول حتى جرعة ماء . شعرت بأسف شديد لأن المولود الجديد كان عليه أن يستقبل الحياة بتلك الطريقة المفزعة. وفي صباح اليوم الثاني، تحركت بالعصا إلى الشارع الرئيسي. وفي أثناء سيري فقدت الوعي. وعندما أفقت وجدت نفسي بالقرب من اثنين من عساكر الحكومة. أعطوني ماء وبلحا. تحركت معهم . وفي أثناء سيرنا ، ظهرت لنا قوات المعارضة، وقاموا بقتل العساكر الذين كانوا معي. وجه لي أحدهم بندقية لكن زميله قال له: ” هذه امرأة ” . وفي تلك الحظة، وصلت عربة بها بعض الجنود الأثيوبين ، وأصدروا توجيهات بعدم قتلي. ركبت معهم عربتهم حتى موقع حجز المواطنين في قرية البركة.
وبعد ها تم ترحيلنا أنا والأستاذة منيرة الشيخ إلى الأراضي الإثيوبية، وتم حجزنا في مستشفى في الأراضي الأثيوبية حيث أعطونا بعض العلاجات، وبعدها تقرر نقلنا إلى كينيا. أما أنا فقد رفضت، لكن الأستاذة منيرة تم نقلها إلى كينيا. جاء مواطنو الكرمك وحملوني إلى الكرمك. ومكثت بها عدة أيام حتى بدأت أتحرك، ثم تسحبت مع المواطنين إلى قرية ميك في الاتجاه الغربي من مدينة الكرمك. وفي قرية ميك تورمت قدمي أكثر ولم أعد أتمكن من السير. وبحمد الله ظهر لنا رجل من البادية وكان معه ابل فحملني إلى قرية بلدقو بالقرب من دندرو . ومن هناك تم ترحيلنا إلى ديرنق، ومن ثم إلى الدمازين، وقد كان معي الرضيع طول الوقت، الى أن اجتمعت مع أولادي في الدمازين وقد تم إسعافي بمستشفى الدمازين، وأجريت لي عمليتان، وتم تحويلي بعد ها إلى مستشفى الشرطة بالخرطوم. أنا ألان أحيا حياتي بطريقة طبيعية أنا وأولادي أما طفلتي الصغرى فهيا ذكرى دائمة للحادث الموجع. وبالرغم من عودتي للعمل وإيماني بقوتي وقدرتي على المواصلة والتغلب على الآلام، إلا أن ما حدث سيظل دوما معي، ولو في مكان ما مجهول.
مواهب بشير