قُطَيْعان
كان لأبوين مستورَي الحال ولدٌ ذو قدٍ دقيق، صغير
ليس بأكبر من حبة الشعير
اسمه قُطَيْعان
ذات يوم، إذ كانت أمه تطبُخ، سمعها تشكو
أوّاه ! كادت الطبخة تنضَج، ولم يعد لدينا زعفران
فانبرى للمهمة قُطَيْعان
أنا لها أماه، سآتيك بالزعفران
لا أبداً! قامتك ضئيلة، وسيدوسك الماشون والعادون
فحرد قُطَيْعان، وراح يصرخ ويبكي بصخب وهَيَجان
ففرَغ لدى الأم الصبر، ولم تعد تطيق الأمر
فأعطت قُطَيْعانَ من النقود شيّا، وقالت: “هيّا
خرج قُطَيْعان مبدياً غِبْطةً عارمة، وراح يمشي مِشيةً عازمة
لابساً طَربوشَه الـمُتَلِقْلِق، وقَبقابَه الـمُطَقْطِق
وأخذ يُشَقْشِق، بصوته الـمُتَرِقْرِق
أيَّ شقي اتَّقي، أيَّ مقام ارتقي، أيَّ مكان
حُطّوا من القامات، وطأطئوا الهامات
واحترموا قواعد الطرقات
وانأَوا عن قُطَيْعان منأى الأمان
وهكذا حتى بلغ قُطَيْعان دكّان سليمان
سليمان! عِدْلَ قرشٍ من الزعفران
فانحنى سليمان بحثاً عن محدِّثه من وراء الحاجز. فلم ير أحداً
ما بالك أعشى؟ زن لي من الزعفران ما يعادل قرشا
نظر سليمان من جديد. فرأى على الأرض قرشا، يتحرك ويتمشّى
فأخذ القرش، ووضع مكانه كُيَيْس زعفران
فطار قُطَيْعانُ فَرْحان. وأخذ الزعفران، تاركاً سليمانَ المسكين حَيرْان
وضع قُطَيْعان كيس الزعفران على رأسه، وعاد مزهواً ببأسه
أيَّ شقي اتَّقي، أيَّ مقام ارتقي، أيَّ مكان
حُطوا من القامات وطأطئوا الهامات
واحترموا قواعد الطرقات
وانأَوا عن قُطَيْعان منأى الأمان
كان أهل البلدة يسمعون نشيده. فيحدِّقون في كل مكان، فلا يرَوْن سوى كيس الزعفران، ماشياً وكأنه على كف جان. فيُهرعون مذعورين على غير هدى ولا يقين
ويصل قُطَيْعانُ إلى بيته سلمانَ غنمان، ويعطي أمَّه الزعفران
فتقول
مرحى يا قُطَيْعان
_________________________
إذ تم إعداد الطعام، قال الغلام
أنا الفتى المقدام، الذي سيحمل لأبيه الطعام
لا. أنت من الصغر بمكان. والحقل بعيد عن هذا المكان. فإن ذهبت، ضعت
فحرد قُطَيْعان، وراح يصرخ ويبكي بصخب وهَيَجان
ففرغ لدى الأم الصبر، ولم تعد تطيق الأمر. فأعطته سلة الطعام، دون أن تُكْثِرَ في الكلام
هَيْتْ! لا تتأخر في العودة إلى البيت
فرضي قُطَيْعان كلَّ الرِضوان. وأخذ السلة وانطلق بفخر واعتزاز. وراح يغني بصوته الأزّاز
أيَّ شقي اتَّقي، أيَّ مقام ارتقي، أيَّ مكان
حُطّوا من القامات وطأطئوا الهامات
واحترموا قواعد الطرقات
وانأَوا عن قُطَيْعان منأى الأمان
يا لَثِقْلِ السلّة
توقف قُطَيْعان يرتاح في بستان
وسرعانَ ما انهمر المطر، سرعان
فما وجد قُطَيْعان ملجأ سوى ملفوفة مُخْضَلّة، اتخذ منها مظلّة
وهنا أتى ثور كبير جَوْعان
ففغر فاه وابتلع الملفوفة، هي وقُطَيْعان
أما أبو قُطَيْعان فلـمّا يزل ينتظر الطعام، يا حرام
غلبه الجوع ولم يعد يرى في الانتظار طائلاً. فعاد إلى البيت سائلاً
أين الطعام
فانتابَ الأمَّ القلق
ألم تر قُطَيْعان ؟ لقد ضاع الغلام
وانطلق الأبوان يبحثان عن قُطَيْعان
قُطَيْعاااااااااااااان! قُطَيْعاااااااااااااااااااان! أين أنت؟
وما من مجيب
قُطَيْعاااااااااااااااااااان! أين أنت؟
فسمعا صوتاً خافتاً مكبوتاً
في كِرْش الثور الشَرْهان، حيث كَفَّ المطر عن الهَطَلان
فناديا من جديد
قُطَيْعاااااااااااااااااااان! أين أنت؟
في كِرْش الثور الشَرْهان، حيث كَفَّ المطر عن الهَطَلان
فتتبع الأبوان الصوت المكبوت الصادر عن قُطَيْعان إلى أن وجدا أنفسهما أمام الثور الضخم الشَرْهان
ولإخراج قُطَيْعان من حيث كان، قدَّما إلى الثور الشره كل خَضْراوات البستان
فقَرَط منها الثور ثم قرط ثم قرط
وكلما قَرَط ضَرَط
ضرط ثم ضرط ثم ضرط …ضرطة أخرجت قُطَيْعان من حيث كان
فحَطَّ قُطَيْعانُ على العشب وبه دوخةٌ خفيفة، وحالُه ليست بنظيفة
وما إن استرد أنفاسَه، حتى نهض رافعاً راسَه، وعاد إلى البيت مبدياً باسَه
أيَّ شقي أتَّقي، أيَّ مقام أرتقي، أيَّ مكان
حُطّوا من القامات وطأطئوا الهامات
واحترموا قواعد الطرقات
وانأَوا عن قُطَيْعان منأى الأمان
وتبع الأبوان قُطَيْعان
وعندما وصل الثلاثة إلى البيت، غسلاه بالصابون، وفركاه بالليف وورق الزيتون، ونشَّفاه، ولفَّفاه
ثم ضمّخاه بالطيب الوفير، وأناماه في فراشه الأثير
تلكم سخلة
تلكم نخلة
وهذي حكاية سعيدة النهاية
الوحش والرضيع
يُحكى أنه كان في إحدى المدن بيت
وكانت في البيت غرفة
وكان في الغرفة مهد
وكان في المهد رضيع
هو أجمل أطفال الدنيا
ذات يوم كان أجمل أطفال الدنيا يَغُطُّ في نومه الرتيب
وخَشْيَةَ البرد أدنت أمه المهد من المدفأة ذات اللهيب
وذهبت إلى المطبخ تُعِدُّ له قنينة الحليب
فجأة أخذت المدفأة، في الغرفة حيث ينام الطفل في المهد، تهتز وتمتد
فخرج من تحتها عشرات، بل مئات، بل ألاف من صغار العفاريت الخضر؛
حاملين فوق رؤوسهم وحشاً رهيباً أخضر
شعره … أخضر
عيناه … خضراوان
أسنانه … خضراء
وها هم صغار العفاريت الخضر يتسلَّقون المهد، فيأخذون أجمل أطفال الدنيا، ويضعون محلَّه الوحش الرهيب الأخضر
ثم يختفون، تحت المدفأة، ذاهبين بأجمل أطفال الدنيا
أما في المطبخ فقد أصبحت قنينة الحليب دافية، بالدرجة الكافية
وها هي الأم تضعها على الخد، للتأكد من أن حرارتها صارت على القد؛ وتدنو من المهد
وتنحني فوقه فتطلق صرخة ذُعْر
فمحلَّ صغيرها، أجمل أطفال الدنيا
رأت وحشاً رهيباً أخضر، أخضر الأسنان، أخضر العينين، أخضر الشَعْر
بلغت صرخاتُ الأم مسمعَ جارتها الشاطرة، فجاءت طائرة
فقالت لها الأم خائرة
أنظري ماذا وجدت مكان طفلي
فنظرت الجارة الشاطرة. فراودتها فكرة باهرة
خذي قشرتَي بَيْض واملئيهما ماءً ثم ضعيهما في نار المدفأة الحامية. فإذا ضحك الوحش، لقي الضربة القاضية
أخذت الأم قشرتَي بَيْض، فملأتهما ماءً، ثم وضعتهما في النار ذات الفحيح
وعندما راح الماء يغلي في القشرتين، أخذ الوحش الرهيب الأخضر يضجّ ضاحكاً ويصيح
ها! ها! ها
أنا الذي اشتعل رأسي شَيْباً
أنا الذي وُلِدَ يوم خُلِقَ آدم أَبّاً
قبل نيِّفٍ وعشرين ألفَ عام
لم أر قط بين الأنام
مخلوقة بهذا الغباء
تظنّ قشرةَ البَيْض طنجرةَ حساء
وأغرق الوحش في الضحك وتمادى حتى أخذت المدفأة تهتز وتمتد، بشكلٍ بدأ طفيفاً ثم أصبح أشدَّ فأشدَّ
فخرج من تحتها عشرات، بل مئات، بل ألاف من صغار العفاريت الخضر؛
يحملون فوق رؤوسهم أجمل أطفال الدنيا، ويتسلَّقون المهد. فيُعلي بعضهم الوحش الرهيب الأخضر فوق رؤوسهم، ويضع الآخرون أجمل أطفال الدنيا في المهد
ولا يلبث الوحش الأخضر والعفاريت الخضر أن يختفوا تحت المدفأة
كانت الأم في المطبخ تنتظر
لقد برد الحليب، فأعادت تسخينه. وعندما غدت الوجبة دافية، بالدرجة الكافية، وضعتها على الخد
وها هي تدنو بهدوء من المهد
فتنحني فوقه
فترى الطفل. ترى طفلها، أجمل أطفال الدنيا، مُتَبَسِّماً
احتضنت الأم طفلها حانية. وأخذت ترضعه وتُهَدْهِدُه بهذه الأغنية
لمن الحليب؟
لصغيريَ الحبيب
الأميرِ الوسيمِ الواعد
الذي سيغدو الحاكم الراشد
لكن الماما هنا
لترعاك وتصبُر
ريثما تكبُر
أما أنا فهناك تركتهما
غاردت بكل هدوء لكيلا أزعجهما
وأتيت إليكم لأحكي كلَّ الحكاية لكم
الفجلة الممانعة
كان لجَدَّيْن حديقةٌ أصغرُ من طيز السخلة
لم يستطيعا أن يزرعا فيها إلا فِجلة
ونبتت الفجلة ثم نمت وتنامت
فتسلقت الحائط حتى سدَّت الشُّباكَ بورقها
حارمةً الجَدَّيْن من نور الشمس وأَلَقها
فقال الجَد
يجب أن نقلعها
فأمسك بالفجلة
فشدَّها شديدَ الشد
وظل يشُدَّ كلَّ الشد، ويَعَضُّ على أسنانه كلَّ العَض
والفجلة تمتد راسخة في الأرض
فدعا الجَدُّ الجَدّة
وراحت الجدة تشد الجد
والجد يشد الفجلة
فشدّا شديدَ الشد
وظلا يشُدَّان كلَّ الشد، ويَعَضُّان على أسنانهما كلَّ العَضّ
والفجلة تمتد راسخة في الأرض
فدعت الجدة الحفيدة
وراحت الحفيدة تشد الجدة
والجدة تشد الجد
والجد يشد الفجلة
فشدّوا شديدَ الشد
وظلوا يشُدّون كلَّ الشد، ويَعَضّون على أسنانهم كلَّ العَضّ
والفجلة تمتد راسخة في الأرض
فدعت الحفيدة القط
فراح القط يشد الحفيدة
والحفيدة تشد الجدة
والجدة تشد الجد
والجد يشد الفجلة
فشدّوا شديدَ الشد
وظلوا يشُدّون كلَّ الشد، ويَعَضّون على أسنانهم كلَّ العَضّ
والفجلة تمتد راسخة في الأرض
فدعا القط الفأرة
فراحت الفأرة تشد القط
والقط يشد الحفيدة
والحفيدة تشد الجدة
والجدة تشد الجد
والجد يشد الفجلة
فانقلعت أخيراً، يا لها من فجلة
ووقعت الفجلة على الجد
ووقع الجد على الجدة
ووقعت الجدة على الحفيدة
ووقعت الحفيدة على القط
ووقعوا جميعاً على الفأرة
فتملَّصت وعادت إلى جُحْرها الأمين
وانتهت الحكاية يا أحلى الحلوين